الاثنين، 29 فبراير 2016

مجتمع كفر بكل شئ

دي حقيقة واقعه مهما انكرناها، لا نؤمن بشيئا ولا نثق في حقيقة علميه او عقيدية
فمن نعومة اظافرنا ونحن نسمع ان: " الصدق منجي " فهل نقول الصدق ؟؟؟ اطلاقا فماكينة الكذب لا تتوقف عن الدوران في كل شيء بدافع وبدون دافع ليس حبا في الكذب ولكن لأننا لا نؤمن فعليا ان الكذب منجي، نسمع كثيرا ان من جد وجد ولكننا نؤمن فعليا بأن من جاب واسطة ومحسوبية هو اللي بيوصل.
اثناء دراستنا في جميع المراحل نتعلم اشيائا لا نثق بعمليتها تماما شايفينها كلام كتب و يتذاكر علشان الامتحان و خلاص فعلى سبيل المثال نسبة باريتو 80:20 اللى كل الناس على القهاوى حتى بيقولوها في كل المواضع ، كام واحد بيطبقها عمليا ؟؟؟؟
و عندما كبرنا شيئا نكرر انه لا حيلة فى الرزق و لا شفاعه فى الموت ، و لكننا فى طلب الرزق نكلم فلان بيه و نقدم الغالي و النفيس و نطأطئ رؤسنا و ظهورنا ليرضى عنا و لا ( يقطع عيشنا ) المصطلح الذى ليس له اى ترجمه فى جميع لغات العالم فعليا هو مش مؤمن ان رزقه على ربنا مش على حد و لا انه في ايد ربنا الواقع و التصرفات بتقول كده مهما قولنا بلسانا كلام عكسة.
لما المدير يطلب من موظف البدء في تنفيذ مشروع عاجل و الموظف يتجرأ و يطلب عقد اجتماع للبدء في الاعداد للتخطيط و و و لن يلقى الا نظرة حااارقه مع عبارة نارية ( انت هاتتفلسف؟؟؟) و الغريب ان الموظف بدون اى مقاومة يشرف فعليا في التنفيذ، مع العلم ان الفلسفة شيء مش بطال و لا قليل الادب أصلا ده احنا بندرس فلسفه المحاسبة فلسفة الهندسة فلسفه الإدارة كل حاجة ليها فلسفة يعنى بس احنا بنعتبرها خروج عن الواقع و المألوف و نوع من الشذوذ عن القاعدة


في مجال الإدارة الشركات العالمية ليها اهداف محددة عارفة و مؤمنه انها هاتوصلها خلال مده محددة من الزمن لكن عندنا  المؤسسات يهتمون جدا في اى تجديدات بلوحة المهام Mission  و الرؤية vision  كنوع من الوجاهة و انها تدى منظر برضه لمدخل الشركة و لو سألت الموظف اللى قاعد تحت اليافطه ما هي المهام للشركة و لا هايكون عارفها أساسا ، دى المهام اللى مفروض ان الشركه توصلها للعميل في بيتهم مش موصلاها أصلا لموظفينها  المؤسسة أصلا مش مؤمنه بأهمية الكلام ده و لا أصلا مؤمنه انها قادرة على تحقيق الكلام اللى هي نفسها كاتباه
و استكمالا لسلسلة الكفر بكل شيء ، احنا مجتمع متدين بطبعه 

الخميس، 20 أغسطس 2015

ادهي من ابيه

عاش في يوم من الايام زعيم يدعي ” جبور ” ، وكان لهذا الزعيم زوجات كثيرات ، انجبن له كثيراً من البنين ، وقد اعتاد ان يطلق اسمه علي كل ابن يرزق به ، وهو تصرف كان منافياً للعرف والتقاليد ، ذلك ان كل طفل كان لا بد من ان يسمى باسم خاص به عند مجيئه للدنيا . وكان من الممكن ان يسمى الطفل باسم احد من اسلاف الاجداد ، ولكن حتى هذا التصرف كان امراً شديداً الندرة.
وكان اهالي البلدة يتساءلون . كيف تصل به الجسارة والوقاحة الي الاقدام علي فعل شئ كهذا ؟ ” .
اهو في طريقه الي الجنون ؟
ام مخز ان يقدم زعيم علي عمل كهذا, لكن لم يمض وقت طويل حتى اعتاد الناس الامر ، وصبح الرأي السائد بينهم ان ليس من المفروض ان يلتزم الزعيم باتباع كل العادت والتقاليد باي حال من الاحوال بيد ان الجانب المربك الوحيد الذي كان علي كل فرد من الناس بمن فيهم الزعيم نفسه احتماله ، هو انك ما من مرة تنادي فيها علي واحد من اولاد الزعيم ، الا وهرعوا جميعاً إليه . و لقد حل كثير من الناس هذه المعضلة بالتأكد بادئ الامر من انهم شاهدوا الولد المعين الذي يريدونه ، ثم يشيرون اليه صراحة وهم ينادونه . غير ان ما كان يمتع الزعيم رغم هذا الارتباك ، رؤيته اوتار قلبه – وهو يعتبرهم كذلك يقبلون عليه دفعة واحدة ، كلما نادى اسم جبور.

بيد ان قلة من الكبار المحافظين اعترضوا علي هذا التصرف الشاذ من قبل الزعيم ، وحذروا مما قد يؤدي اليه من كارثه ، ذلك ان الانسان لا يمكنه ان ينتهك الاعراف القبلية دون ان يفلت من العقاب.
وحدث ان حملت اخيراً احدث زوجات الزعيم بابن آخر ، وكان قد نال هذه الزوجة هدية من بعض الربوع . وعقدت الدهشة السنة القابلات لنزول الطفل من بطن امه بكيس ليفي اسود في نصف حجم قبضة اليد يتدلي من رقته . وحاولت احدى القابلات انتزاع الكيس من رقبة المولود والقائه علي الارض ، لكن الطفل قال لها ” إياك ان تفعلى هذا ” .

وازدادت القابلات خوفاً وقلقاً وتساءلن : اهذا كائن بشري حقاً ، أم روح شريرة تشكلت في صورة ذلك الطفل المولود ؟ . . أينبغي عليهن السماح له بان يعيش؟ واستشرن الزعيم في امره ، فاستشار هو بدوره كبير اطباء القرية ، الذي ابلغه بعد الرجوع الي طلاسمه ان ذلك الطفل مقدر له ان يكون عظيماً ، وانه سوف يكون طبيباً كبيراً ، وستكون حياته مفخرة لأهل بيته ، وبهذا سمح للطفل ان يبقى علي قيد الحياة . وفي المساء احضرته القابلات من الدغل الي الزعيم ملفوفاً في اوراق اللابا .
وتلقي الزعيم الطفل بين ذراعيه ، واخذ ينظر اليه مبتسماً وقال اخيراً وهبني الاسلاف نموذجاً يحتذى . إنك يا عزيزي الأوحد ستكون مفخرة لأهل بيتي . وحين تكبرسوف تعني بعظامي البالية وتتزعم الاسرة ، وستكون اعظم من كل جبور في هذا البيت .
واعترض الطفل بحدة قائلاً ” لا تطلق علي اسم جبور ” .
ورغم ان الزعيم كان قد عرف من قبل بان الطفل في مقدروه ان يتكوم ، فإن هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها حالة كهذه . وتملكه الخوف ، لكنه نجح في ان يبقى هادئ الاعصاب.وسأل الطفل في قلق ” وما الاسم الذي ينبغي علينا ان نطلقه عليك ؟ ” .

فأجاب الطفل في غلظة ان اسمي هو . . أدهى من ابيه ” .
ورد الزعيم الطفل الي احدى القابلات وابتعد في هدوء ، قلقاً مثاراً . انه يمكنه ان يتقبل قدرة الطفل من الكلام وكذلك الكيس الذي يتدلى من رقبته علي انهما امران طبيعيان ، ذلك ان رجال الطب ، كما شهد كبير الاطفال ، ليسوا كغيرهم من الناس . فحياتهم منذ ولادتهم وحتى مماتهم تكتنفها ظروف غريبة وفريدة . لكن ادعاء طفله في نفس يوم ولادته بأنه ادهى منه ، ورفضه لاسمه ، اهانة لا يمكن ان يغفرها له . إنه رجل شديد الصرامة ، لكن كيف يتأتي له ان يعاقب طفلاً في اليوم الأول من عمره ؟ . . وأبقى علي الطفل وامه في دراهما ، وأقام هو بعيداً عنهما قدر استطاعته .
ومضت السنون وكبر ادهى من ابيه واصبح صبياً كامل النمو . وفي يوم من الأيام قرر الزعيم اجراء اختبار لكل اولاده ، ليكتشف ايهم اشد دهاء في الواقع . فنادي اولاده الآخرين وقال لهم :
” أخوكم ادهى من ابيه يدعي انه مفرط في الدهاء ، بل هو يدعي في حقيقة الامر انه ادهى منى . واني لأود ان اجرى لكم يا اولادي سلسلة من الاختبارات لأكتشف من الداهية فيكم حقاً ، فأنا لا أريد ان اسير وراء ادعاءات ” .

وطلب الرجل من اولاده جميعاً ان يصنعوا اقواساً وسهاماً ويذهبوا الي الغابة ويفتشوا عن فئران فيها واصطيادها . ومن يفشل في جلب فأر فسيعد اقل الجميع دهاء ولسوف يتخلف عن اخوته .
وسيعقب ذلك اختبار آخر وهكذا ، إلي ان يتحدد من هو اكثر الأولاد دهاء.
وعاد الابناء من الغبة وقد جلب ادهى من ابيه سنجاباً لوالده ، في حين جلب اخوته فئراناً . فقال له الزعيم ” أحسنت صنعاً ، وتجاوزت توقعاتي . ولكني اعتقد ان الأولاد الآخرين قادرون علي عمل نفس الشئ أريد منكم جميعاً يا اولادي ان تحضروا لي سناجب في الغد”.
وفي اليوم التالي احضر ادهى من ابيه قرداً لوالده ، بينما اء اخوته سناجب . فقال له الزعيم :
احسنت صنعاً وتجاوزت توقعاتي مرة ثانية . ولكني اعتقد ان الأولاد الآخرين يمكنهم القيام بنفس العمل . اريد منكم جميعاً يا ابنائي ان تحضروا لي في الغد جثث قرود ” .
وفي اليوم التالي احضر ادهى من ابيه ظبياً ، في حين ان اخوته لم يجلبوا شيئاً . فقال له الزعيم :
احسنت صنعاً ، ولقد اثبت بما لا يدع مجالاً للشك انك اكثر من اخوتك دهاء، ولسوف اجرى لك اختباراً آخر ، فإذا اجتزته آمنت بأنك ادهى منى . والمطلوب منك يا ولدي ان تأتي لي في الغد بثعبان عاصر ،على ان يكون هذا الثعبان حياً”.
وقبل ادهى من ابيه التحدي ، ووعد بإحضار الثعبان العاصر الحي في اليوم التالي . لكن أمه انتحت به جانباً ونصحته بالتخلي عن هذا التحدي وقالت له ما الفائدة اللتي ستجنيها من محاولة البرهنة علي انك ادهى من ابيك ؟ . . انك كل ما لي في هذا الوجود ” . ثم واصلت في توسل ” رجوتك يا ولدي الا تلقي بنفسك الي التهلكة ، فالثعبان العاصر من اشد المخلوقات خطورة في الدنيا ، اذ يمكنه افتراس ايل في ضعف حجمك ” .
فقال لها ادهى من ابيه ” لا تقلقي يا امي . خذي هذا الكيس الليفي ” ، وانتزع الكيس من عنقه وناولها اياه . وكانت هذه هي المرة الأولي التي ينتزع فيها هذا الكيس من رقته . ثم قال لها ” حين امضى الي الغابة ، عليك ان تداومي علي عصر هذا الكيس ، فأنت حين تعصرينه يخرج منه سائل ، فإذا كان السائل ابيض اللون ، فهذا يعني اننا مازلت حياً . اما اذا كان احمر اللون ، فهذا يعني انني فارقت الحياة . فلا تقلقي طالما كان السائل ابيض اللون ” .
اخذ ادهى من ابيه معاً عصا طويلة وذهب الي اغوار الغاية ، وانفق اليوم بطوله علي وجه التقريب يبحث عن ثعبان عاصر. وفي وقت متأخر وعند حلول المساء ، وجد ثعباناً ملتفاً بين جذور بارزة لشجرة ” بيليه ” . ورفع الثعبان رأسه وحملق في الصبي بغل . ولما كان علي وشك ان يلدغه ، قال له ادهى من ابيه ” لا تقتلني يا سيد ثعبان ، فانا صديقه الطيب . لقد اتيت هنا لأدافع عن سمعتك الحسنة ، ذلك ان كل فرد في قريتي يعتقد انك لست بذلك الثعبان الطويل، ورغم ذلك تدعي انك ملك الثعابين . لقد قالوا لي او اني وجدت ثعباناً عاصراً بطول هذه العصا ، فلسوف يقدمون له عنزاً كبيراً ليتلهما . فتعال اذن وارقد بجاور هذه العصا لأقيس طولك ” . وألقي بالعصا علي الأرض ثم واصل حديثه ” أريد ان أربطك الي هذه العصا ليست اطول منك . انني لا أريدهم ان يرتابوا في احقيتك بالملك علي كل الثعابين ” .
وقاطعه الثعبان ” أو لست تخدعني ”

كلا لست اخدعك ، واؤكد لك انه لن يقترب منك احد . سأضعك بعيداً عن الجمهور ،وحالما يرون ان العصا ليست اطول منك ، سأحل وثاقك كي تتمكن من الاستيلاء علي اية عنزة تريد ، وتعود بها الي بيتك في الغابة “.
ورقد الثعبان العاصر بجوار العصا وتمدد . واقتلع الصبي بعض الحبال من الدغل وربط الثعبان الي العصا بشدة في كثير من المواضع . لقد ربطه بطريقة شديدة الاحكام جعلته غير قادر علي الاختلاج ، ثم حمله الي القرية .
حين وضع الثعبان امام الزعيم صاح هاتفاً ” يا لك من ولد شجاع وداهية ! . . انك بصراحة ادهى مني ، واني لأقبل هذه الحقيقة يا بني . إنهم الاسلاف الذين دبورا مكيدة لإذلالي في شيخوختي ، ولو اني لا ادري سبباً لذلك ، مع انني اقدم لهم قربان المودة السنوي دائماً . شكراً لك يا بني علي هذا الثعبان ، وانه لوليمة كبيرة سنحظى بها اليوم ” .

وازداد الزعيم حنقاَ علي الصبي . وظل اياماً عديدة يفكر في الكيفية التي يتخلص بها منه دون ان يبدو انه ارتكب جريمة قتل . وفي يوم من الايام خطرت بباله فكرة ، فقال لأولاده انه يشعر برغبة في اكل حيوان ” أم قرفة ” وعليهم ان يجلبوا له واحداً من افراد هذا الحيوان يكون قد قضي بياته الشتوي في جوف شجرة “بيليه” تقوم في مكان معروف بالغابة . وكان الأولاد يعرفون موقع الشجرة ، لكن لم يخطر ببالهم اطلاقاً ان حيوان ” أم قرفة ” يقضي فيها بياته الشتوي . وقبل ان يمضوا في اليوم التالي الي الغابة ، دعاهم ابوهم جميعاً الي داره فيما عدا ادهى من ابيه وقال لهم ” ما اريده حقيقة يا اولادي هو ان تتخلصوا من اخيكم المتغطرس الاحمق ادهى من ابيه . ان الواجب يقضي بان يحترم الابن اباه دائماً ، وليس من بينكم من كان فظاً معي ابداً . . . ولم يقم احد منكم بإهانتي وجهاً لوجه كما فعل المعتوه اخوكم . لست اريده في الاسرة ، فلقد ابي ان يحمل اسمي ، وهو يعتقد انه ادهى مني ، وانه علي استعداد لأن يفعل المستحيل ليبرهن علي ذلك . حسن يا ابنائي ، لست اريد الاسترسال في هذا الامر اكثر من ذلك . وكل ما ابتغيه منكم هو ان تدفعوا بأدهى من ابيه الي جوف شجرة ” البيليه” ، وان تسدوا عليه فوهها وتدعوه يختنق حتى الموت . اننا لو تركنا هذا المخلوق البغيض يستمر في الحياة فسيكون عاراً علي الاسرة ، وسوف يضلنا . والآن امضوا ونفذوا هذه المهمة علي عجل . لا اريد ان اراه معكم حين تعودون . تخلصوا منه في الدغل” .
كانت شجرة البيليه التي من المفترض انها تأوى حيوان ام قرفة ترتفع فوق قمة تل علي مسيرة نصف يوم من القرية ، وقد بلغها الأولاد ظهراً . وفي الطريق اليها ، اختار الإخوة ادهى من ابيه قائداً لهم . وقبل هو هذا التكليف علي غير رغبة منه. قال لهم انه ليس لزاماً عليه ان يقودهم لمجرد انه يتمتع بالدهاء . لكن اخوته اصروا علي ذلك قائلين له انه ليس من بينهم احد آخر اصلح منه لقيادتهم.
وكانت الشجرة عالية وجافة ، اقتلع كثير من فروعها وسقطت علي الأرض .وعند اسفل الجذع وبالقرب من الأرض كانت فوهة الفتحة المؤدية الي تجويف الشجرة . وامام هذه الفتحة جمع الأولاد فروع شجيرات واضرموا فيها نيراناً يصدر عنها دخان بلا لهب حتى يمكن نفخ الدخان وتوجيهه نحو التجويف ، كيف يخرج حيوان ام قرفة ولما كان ادهى من ابيه هو قائد الجماعة ،فقد اكان عليه ان يبدأ النفخ وحين انحنى وبدأ ينفخ الدخان تجاه الفجوة ، دفعة الأولاد بعنف داخلها ، وسدوا عليه بصخرة ضخمة ، ولقد ادوا هذه العملية بإتقان عجز معه ادهى من ابيه عن دفع الصخرة بعيداً عن الفوهة رغم كل ما بذله من جهد . وراح يبكي ويصرخ ، لكن احد لم يسمع صوته في الخارج . واسرع الأولاد عائدين ليرفعوا الامر الي ابيهم وقد غمرهم شعور بالرضا علي انجازهم الرائع .
وكان ادهى من ابيه يحمل في جيبه سكيناً من باب الحيطة ، فاخرجها وراح ينحت الخشب محاولاً ايجاد مخرج له . . ” اواه يا ربي ! .. هي تراني اخرج حقاً من هذه الفجوة ؟ وراح يبكي وظل ثلاثة ايام يعمل بلا توقف ، الي ان اصبحت الرقعة التي نحتها رقيقة للغاية . وفي صبيحة اليوم الرابع ارتطم بهذه الرقعة المنحوتة فجأة غزال احمل فاخترقها . وهنا اندفع ادهى من ابيه خارج الشجرة المجفوفة ، وعاد يتنفس مرة اخرى هواء منعشاً . ثم استجمع قواه المنهارة ووقف منتصباً علي بعد خطوات من الغزال . ورغم وهنه فإنه لم يكن يشعر بالجوع.
وقال الغزال ” لا تقتلني ايها الصبي الصغير ” ، وقد بدأ انه لا حول له وقوة ، وكان من متناول يد الصبي . ثم مضي يقول انني سوف اساعدك . لكن كان خلفي فهد يطاردني ، وكنت اركض بطريقة عشوائية لأفلت منه، فأرتطمت بالشجرة وانا مندفع بجنون “.
فقال له ادهى من ابيه ” لن اقتلك ايها الغزال الاحمر ،فقد انقذت حياتي ” .
فقال الغزال ” استمع الي الآن ايها الصبي . عليك ان تعتلي ظهري ،لأني اشعر انك بلغت حداً من الوهن لا تقوي معه علي السير ” .
واعتلى الصبي طائعاً ظهر الغزال ، فسار به حتى وصل الي طريق ممهد تماماً وسط الغابة ، وهناك طلب منه ان يهبط من فوق ظهره . ثم قال له وهو يمئ تجاه الغرب امض في هذا الطريق ، ولسوف تصل الي مدينة كبيرة . وهناك سيكون الناس فضلاء معك ، فكن فاضلاً معهم كذلك . ولا تعد اطلاقاً الي ديارك” .
عند ضواحي المدينة حياً رجل مسن ادهىه من ابيه وقال له مرحباً ايها العزيز . انني علي علم بكل متاعبك ، وسأعني بك عناية جيدة ” .

ووفر المسن لأدهى من ابيه الطعام ، وعاشا معاً في هناء . وكان ادهى من ابيه يطهو لنفسه وللمسن الطعام ، ويجب الخشب والماء ، ويتولي القنص وصيد السمك وتنظيف البيت ، اذا اصبح في مقام الابن لذلك المسن . ولسنوات طويلة عاشاً معاً الي ان شب ادهى سن ابيه عن الطوق ، وصار شاباً تام النمو ، واصبحت قواه الطبية ذات اثر فعال . وفي احدى المرات وفي اثناء تجاواله في المدينة ، رأي صبياً مكسور الرجل يرقد بجوار احد البيوت ، وبجانبه جلس ابواه حزينين . فما كان منه الا ان جبر العظم المكسور ، فنهض الصبي الصغير في الحال ، واخذ يجول في المدينة فرحاً . وقدم الابوان لأدهى من ابيه بعض النقود والغذاء تعبيراً عن امتنانهما لما فعله لأبنهما ، فأبي وامتنع عن قبول الهدايا . ثم مضي بعد ذلك يطوف بالمدينة يقدم الطيبات للجميع بلا اجر . فأقبل عليه الاعمى والاصم والابكم والمشلول ، اضافة الي اناس يحملون مشكلات من كل نوع ، وكلهم يطلبون عونه ، فمد اليهم يده واعانهم ، واستمر علي هذه الحال حتى عمت شهرته البلاد.

وفي يوم اجتمع مجلس الكبار في البلدة واتخذوا قراراً بتنصيبه ملكاً عليهم . فكان عهده كله رخاء وتقدماً . وكان الناس يلجأون اليه من الممالك المجاورة في اثناء المجاعات طلباً للزاد ، فيصيبون منه وفرة , وفي احدى المرات رأى اخوته الستة قادمين الي مدينته بحثاً عن طعام . وحكوا لها ان المجاعة نزلت بهم ، وكيف انهم ذاقوا المر بسببها . وعرفهم ادهى من ابيه ، في حين انهم لم يعرفوه ، فزودهم بكل ما يحتاجون اليه من طعام ، وطلب منهم ان ياتوا بأبيهم معهم فيما لو عادوا مرة اخرى يطلبون المزيد . وبالفعل احضروا اباهم من ابيه داراً جميلة للرجل وأولاده ، وقال لهم انه يرحب باقامتهم معه , ولم يكون ملطبواً منهم ان يقوموا باي عمل من الاعمال ، وكانوا موضع رعاية كريمة . بيد ان العجوز وأولاده لم يدركوا سر هذا الكرم البالغ .

وفي يوم من الأيام راحوا الي ادهى من ابيه وسألوه ” لم انت كريم معنا هكذا ايها الملك؟ فما كان منه الا ان عرفهم بنفسه ، وهنا خروا علي الأرض عند قدميه باكين يطلبون منه العفو والمغفرة ، فطمأنهم ادهى من ابيه وعفا عنهم . ثم رجا اباه ان يرسل في طلب كل زوجاته حتى يلتئم شمل الاسرة ، وبعث الرجل بالفعل يطلب حضور زوجاته وحين اتين تعرف ادهى من ابيه علي امه من بينهن . وكانت تبدو مهزولة شاحبة ، وكأنها كانت سقيمة عليلة طوال عمرها ، فاحتضنها وعيناه مغرورقتان بالدموع . وبكي كل منهما علي كتف الآخر .
وقال لأمه ” لعلك لم تنس القيام بما طلبته منك ” ؟
فقالت ” نعم يا ولدي . كنت دائماً ما اعصر الكيس ،وكان السائل الذي يسيل منه ابيض اللون .
دائماً
” حسن ، لم يكن لديه اذن ما يخيفك ” ؟!
لم اكن اظن ابداً اني سأراك ثانية يا ولدي . وجرت دموعها علي وجنتيها فواساها قائًلاً :
” لا تبك يا أمي ، فلقد انتهى كل شئ ” .
” لكن ينبغي ان تكون حريصاً مع ذلك الرجل الذي هو ابوك يا ولدي”.
واخذها ادهى من ابيه الي بيته ، وطلب من اثنتين من زوجاته ان يستثقا من استحمامها وارتدائها اجمل الملابس الموجودة .
ودارت عجلة الحياة ثانية مع اسرة جبور ،اذا كانوا يستمتعون بخيرات المملكة العظيمة . وفعل ادهى من ابيه كل ما في وسعه ليهيئ لهم حياة كريمة جداً وهانئة.
وفي يوم من الايام وعلى نحو مفاجئ ، دعا جبور الكبير اولاده دون ادهى من ابيه للاجتماع بهم علي انفراد وقال لهم ” لقد خدعتموني ايها التافهون ، تصورت حقاً انكم دفنتم الولد في الشجرة وسددتهم عليه الفجوة ” .
وصاح الاولاد في صوت واحد ” لقد فعلنا ذلك يا ابانا ، فعلناه حقاً ”
وتقدم واحد منهم خطوات يشرح لأبيه ما فعلوه بكل دقة ” ونحن في الطريق يا ابي اخترنا ادهى من ابيه ليكون لنا قائداً ، وجعلناه اول من يستدير لينفخ الدخان داخل جوف الشجرة . وحين بدأ في النفخ دفعناه داخل الفجوة وسددناها عليه بصخرة ضخمة لا يقوى حتى عشرة رجال علي زحزحتها من المدخل . اما ان نراه بعد كل هذا حياً يرزق لا يزال ، وملكا يحكم هذه البلدة ، فهذا امر يغمض علينا”.

فقال جبور الكبير ” إنه ما زال حياً علي اية حال ، وعلينا ان نتخذ خطوة حاسمة هذه المرة . يجب ان نغريه بالعودة معنا الي ديارنا ، وفي الطريق نلقي به في النهر حيث تفترسه التماسيح ، وبذلك نضع حداً لمصدر الخطر هذا ” .
وفي المساء عرضوا علي ادهى من ابيه ان يعود معهم الي ديارهم في زيارة قصيرة ليروا كيف تسير الحياة هناك ، واخبرواه ان الاصدقاء القدامى والأهل سيسعدون حتماً حين يرونهم ثانية .
واضاف الوالد ” بغض النظر عن مدى نجاحك في بلاد الغير، فمن الواجب الا تهجر ديارك ، فاسفلاك مدفنون هناك . انك لا تستطيع التخلي عنهم لأنهم هم الذين هيأوا لك ما انت فيه اليوم ، وهجرانهم سيجلب عليك اللعنة ” .
وهكذا ابتلع ادهى من ابيه الطعم علي نحو جيد ، اذا وافق علي الذهاب مع والده واخوته الي موطنه . وحين اراد ان يصطحب معه حاشيته ، لتحمل هداياه للأهل والاصدقاء ، اخبره ابوه ان الرحلة ستكون سريعة ، وانه لا داعي لأن يزعج نفسه باصطحاب غرباء معه ، لأن هذه امور عائلية .
وفي صباح مبكر من احد الايام غادر الجميع متجهين الي الديار. وكان في الطريق نهر كبير ضمن نطاق المسافة الي قريتهم . وحين بلغوا هذا النهر اصدر جبورا لكبير الامر ، فانقض الاخوة على ادهى من ابيه واوثقوه بالحبال تماماً والقوه علي الشاطئ . ولم يصدق ادهى من ابيه ما حدث . وكان كل ما فعله هو ان ادار رأسه وراح يحدق بارتياب في ابيه واخوته دون ان ينبس ببنت شفة.

وقال جبور الكبير ” احسنت صنعاً يا اولاد ؟ ! لقد تمكنا منه اخيراً ” ثم التفت الي ادهى من ابيه وقال له وهو يخزه باصبعه كنت تظن نفسك داهية ، ولكنت وقعت الآن في الفخ ، فخلص نفسك منه ان كنت داهية حقاً . الا تدري ايها الاحمق ان الابن لا يمكن ان يكون ادهى من ابيه ابداً ؟ لقد جلبت علي العار والمذلة بزعمك هذا الطائش . واليوم ينتهي كل هذا الهراء . كل ما لديك من دهاءا و كل من تظن ان لديك منه لن ينقذك . سنلقي بك في هذا النهر، وستفترسك التماسيح ، وسأستولى علي مملكتك , ولن يلومني الاسلاف ابداً علي ما فعلت ، ولن يحملوني تبعة دمك ، فأنت الذي جلبت علي نفسك هذه النهاية السيئة ، واذا وقفت ضد عرف من اقدس اعراف القبيلة . من الواجب علي الولد ان يكون دائماً متواضعاً مطيعاً مذعناً ، لا لوالده فحسب ، بل ولكل رؤسائه كذلك . لكنك بدلاً من ذلك كنت شديد الوقاحة الي حد الادعاء بأنك ادهى من ابيك ، وبلغت بك جراتك ان سميت نفسك بهذا الاسم . خذوه يا أولادي الي التماسيح ” .
كانت احكام الاعدام لا بد من ان تنفذ عند منتصف الليل وفقاً لقانون القبيلة . وكان الضحية يترك وحيداً يوماً او نحواً من ذلك يتناجى مع ارواح الاسلاف قبل ان يلقي حتفه . ولهذا جر الأولاد ادهى من ابيه ست ياردات في اتجاه مصب النهر ، وربطوه الي شجرة علي الشاطئ . وكانت التماسيح تسبح بحرية في الماء. وقضي ادهى من ابيه اليوم بكامله وحيداً علي الشاطئ ، فقد ذهب عنه ابوه واخوته علي ان يعودوا اليه عند منتصف الليل ليعدموه . وتذكر هو نصيحة الغزال . . لا تذهب ابداً الي ديارك ثانية . لكن لا فائدة الآن من هذه النصيحة ، فقد فات الأوان ” .
وعندما كانت الشمس علي وشك المغيب ، اقبل الي شاطئ النهر تاجر شاب ، يحمل فوق رأسه صرة كبيرة مليئة بالسلع ، وحط الشاب الصرة علي الأرض وجلس يستريح انتظاراً لقدوم القارب من الجانب الآخر للنهر. واحس الشاب بعد بضع لحظات برغبة في قضاء حاجته ، فاتجه بصرته في اتجاه اعلى النهر لهذا الغرض ، وكاد وهو سائر ان يرتطم بأدهى من ابيه فجفل وارتد الي الوراء مذعوراً . فقال له ادهى من ابيه ” لا تخف . أفعل ما جئت من اجله ثم امض الي حال سبيلك ، فلن يقع لك مكروه ” .

وصاح التاجر الشاب وهو يرتجف من الخوف ” ايها الكذاب ” ، انت هنا لأنه سيحكم عليك بالموت من جراء جريمة قتل ارتكبتها وفقاً للطقوس ، ولهذا انت مقيد الي الشجرة هذه الليلة ، ولست اود ان اكون طرفاً في هذه العملية . يا الهي ! ما الذي اتي بي الي هذا الطريثق ؟
وقال ادهى من ابيه يدافع عن نفسه ” لن يحدث لك شئ . انني موجود في هذا المكان لأني اريد ان اكون ثرياً ،فحين اتخلص من هذا الموقف ، سأصبح اغنى رجل في العالم ” .
وهنا بدا الاهتمام علي وجه التاجر الشاب ، فوضع صرته علي الأرض وتقدم الي ادهى من ابيه وسأله ” أجاد انت ؟ ”
فاجاب ادهى من ابيه ” اسمع ما اقوله لك ، إنني اذا بقيت هكذا حتى منتصف الليل ، فسيأتي الطبيب الموكل بي ويؤدي شعيرة معينة ، ويعب بي الي ارض غريبة . ومن المفروض الا اعود الي دياري قبل اسبوعين . وحين اعود بعد هذين الاسبوعين سأجد بيتي يفيض بالمال ، وسأحصل ايضاً من هذه الأرض الغريبة علي تعاويذ خاصة تمنحني مزيداً من المال حين يفرغ ما في بيتي مما لقيت ، وبذلك اصبح غنياً الي الابد ” .
وقال الشاب متوسلاً ” أنصت الي جيداً . انك لست الا شاباً غضاً وانا اكبر منك سناً بكثير ، ثم انني فضلاً عن ذلك تاجر اعرف كيف اتعامل مع النقود . فدعني احل محلك واحصل علي الثروة , وسأعطيك منها نصيباً كبيراً . وكلما احتجت الي مزيد من المال ، اعطتك ما تحتاج اليه “.
فقال ادهى من ابيه لعلك تخدعني ايها التاجر ؟. ” اقسم لك انني لا اخدعك فصدقني “.
” حسن . . ستحل محلي ، ولكن عدني بأنك ستكون جاداً حقاً ”
” أعدك بشرفي ”
” وهو كذلك ، حل وثاقي اذن ”
وحل التاجر وثاق ادهى من ابيه ، ورقد هو علي الارض ، فشد ادهى من ابيه وثاقه ، وربطه بعد ذلك في الشجرة ، ثم اخذ صرة بضائعه واختفى.
ما ان انتصف الليل حتى جاءت فرقة الاعدام ، وراح جبور الكبير يلقي ببعض تعليقاته الاخيرة :
” هذه وسيلة غير طبيعية تنتهي بها الحياة ، لقد آليت علي نفسك ان تكون ادهى من ابيك ، وقد حرمك هذا تلقائياً حق الحياة . سنلقي بك الآن في النهر ، وستلتهمك التماسيح ، لكن تذكرا ننا لسنا قتلتك ، بل انت قاتل نفسك ، ولعل الاسلاف تبارك روحك ” .

وكان التاجر الشاب ينصت الي هذا الحديث الذي لا يصدقه عقل وهو صامت معقود اللسان . وحين حلوا وثاقه من الشجرة ليلقوا به في النهر ، راح يهز رأسه بكل ما اوتعي من قوة ويصرخ .
” لا تقتلوني . . لا تقتلوني . . انا اسمي يورفي ، ولم أسئ الي احد ابدا . أواه يا اهلي ! اواه يا اهلي ! ” .
ووصل الي سمعه صوت صارم يؤنبه ” اخرس . انك لولد مولع بالحيل ، وسنضع هذا اليوم نهاية لحيلك هذه ” .
وصرخ التاجر ” رباه . . كلا . . إنني تاجر من ناحية مصب النهر ولا ارتكب خطأ ابداً ” .
وصرخ التاجر الشاب وهو يلقي به في النهر . وفي لمح البصر مزقته التماسيح ارباً .
استولى جبور الكبير وابناؤه الآخرون علي مملكة ادهى من ابيه ، الذي راح يطوف بكل ممالك الأرض الاخرى عاماً بكامله . وفي نهايته عاد الي ابيه الذي حل محله ، مرتدياً بعضاً من ثياب انيقة ، والتي كانت في صرة ثياب التاجر الشاب. اما بقيتها فقد صرها وحملها في يده . وعند ولوجه المدخل المسقوف لبيت الملك سأل ” أين الملك ؟ ” . وجلس علي مقعد مصنوع من نبات الأسل ، ووضع الصرة بجوار قدميه . وفزع الملك حين رآه ، ولم يصدق عينيه ، فقال له ادهى من ابيه ” اجلس ” فجلس الملك ، عندئذ واصل ادهى من ابيه حديثه لا تخف . لقد جئت لأقدم لك هذه الهدايا ً واشار الي الصرة ” اسلافك بعثوا بها اليك . ولكنني لفي دهشة لان الناس هنا لم يستطيعوا التعرف علي ، وارجو الا يكون ذلك بسبب هذه الاسمال التي ارتديها ” ، والقى نظرة ازدراء الي ملابسه الجديدة . انها اشياء لا تقارن بما لدى من ملابس جميلة في دياري . حسن ! لقد اتيت كما اسلفت لك القول لأحضر لك هذه الهدايا ، فجدك ، وجدود اجداد جدك ما زالوا احياء .
وقد ارسلون لأقدم لك هذه الهدايا ، حتى تتيقن انهم دائماً التفكير فيك ، وهم يبعثون اليك بتحياتهم ، ثم ناول الملك الصرة ، الذي فضها بسرعة ، واصابته الدهشة حين وجد فيها خمسة مفارش للأسرة ، وعباءة كبيرة ، وزجاات عطر ، وعلب مساحيق ، وعقوداً ، وابريق روم ، واكثر من خمسة جنيهات نقداً ،ومرآه وامشاطاً ، واربطة للرأس وغيرها .
وواصل ادهى من ابيه حديثه قائلاً ” اقاربك القدامى قالوا لي انه ينبغي ان احضر لك هذه الهدايا ، وان ابلغك بانهك يفتقدونك ، وانهم يأملون في أن يروك يوماً ما . لقد ارادوا ارسال كثير من الاشياء ، لكنني لم استطع ان احمل اكثر من هذا بمفردي . وانا شخصياً جئت لأشكر لك صنيعك معي . فلو لم تقم بإعدامي ، لما رحلت الي السماء ، ولما حصلت علي الاشياء الجميلة التي اقتنيها الآن . اسلافك بالطبع هم اسلافي كذلك ، ولقد استقبلوني بابتهاج عظيم . . ” وقاطعه الملك مهلاً يا بني ، هل بمقدوري انا كذلك الذهاب هناك ؟ ”
” يقيناً . . فالمكان معد لكل فرد من الناس ، ولكن ليس اليه من سبيل في اول مرة سوى الطريق الذي سلكته انا . اثم لك بعد ذلك ان تروح وتغدو كما تشاء” ولمح ادهى من ابيه امه التي كانت تقف عند المدخل مع مجموعة من النساء تحملق فيه في فزع ودهشة وسألته ” لم يرغب اهالينا في المجئ لزيارتنا هنا يا بني “.

” حسن . . انهم يودون ذلك ، غير انهم – كما تعلمين – يفضلون عادة الذهاب الي المدن الاخرى علي الذهاب الي مدنهم . فالموتى يكرهون ان يتعرف عليهم احد كما ولعك تعلمين . ولقد تطلبت عودتي قدراً عظيماً من الشجاعة . ثم ان كثيرين منهم فضلاً عن ذلك ، ليس لديهم الرغبة في ترك ثرواتهم وبيوتهم المريحة من اجل مكان كهذا . لذلك ان الحياة هنا قصيرة ، شاقة ومؤلمة ، انت هنا يقهرك خيبة الامل والاحباط والظلم والمرض والفقر والسحر وحروب البشر ، انت هنا تعيشين في خوف مقيم ،

ولا سبيل امامك ان تعرفي ما ستلاقينه من متاعب في غدك هنا . . لا يدوم السرور ، اذا سرعان ما يحل الالم محله . اما السماء فلا يشابهها مكان آخر . اشعة الشمس هناك تضئ ، ولكن دون حرارة شديدة . والأرض مرورية دائماً ، والمحاصيل تنمو طوعاً وبوفرة ، وكل ما على المرء ان يفعله هو ان يسعد بحياته ويستمتع بها . لا منازعات هناك ، ولهذا لا يوجد ما يدفع الانسان الي القتال . الناس هناك يعيشون في سلام ، يحب بعضهم بعضاً ، وليس للموت سلطان علي احد ، ولهذا لا يتحتم علي الانسان ان يكرس له هذا الضرب من الاجلال الذي يكرسه له هنا . هناك لا تجدين مرضاً . . ”
وقاطعه الملك ثانية ” او تظن يا بني اني استطيع الذهاب هناك اليوم” ؟
” سبق وان قلت لك ان هذا ممكن . كل ما يتطلبه الامر هو ان تمر بنفس مجرى النهر الذي مررت انا به ” .
” ليست هذه المشكلة ” ثم نادى كبرى زوجاته ؟ كوتيا ، مرى اشد الرجال بالمجئ ليشدوا وثاقي ” .
انتشر النبأ في المدينة انتشار النار في الهشيم ، وود كل واحد من الناس ان يشد وثاقه وان يلقي به في النهر . لكن ادهى من ابيه امر بذهاب العائلة الملكية – اي الملك واولاده – اولاً ، ومن ثم اخذ الملك وابناءه وبصحبتهم جمهور كبير الي النهر، وهناك شد وثاق ابيه واخوته جميعاً ، وقال لهم انه سعيد لأنهم سيرون هم ايضاً اسلافهم ويعودون بثروة كما عاد هو . لكن عليهم الا يسلكوا مسلك معظيم الناس الذين راحوا يغرقون انفسهم بمتع الحياة هناك ، ونسوا اولئك الذين خلفوهم وراءهم . وينبغي عليهم ان يتذكروا زوجاتهم واطفالهم . وطمأنهم بأإنه سيعني بالمملكة في اثناء غيبتهم ، وحين يعودون ، فإنه سيترك كل شئ لهم ويعود هو الي دياره ، ذلك انه بقدر ما كان معنياً بهذا العالم ، فقد اشرف علي غايته منه . وبما انهم اسرة ملكية ، فلن يتركوا بمفردهم حتى منتصف الليل يتناجون مع ارواح السلف قبل الرحيل . وبعد ان تكلم ادهى من ابيه واطال كثيراً في حديثه ،قال لأبيه ان علي اخوته ان يمضوا اولاً ليسهموا في اعداد موكب الاستقبال الملكي له ، فوافق الملك علي ذلك .
وبناء علي هذا ، اخذ ادهى من ابيه يلقي بإخوته في النهر واحداً تلو الآخر ، وكلما القى بواحد منهم ، هاجمته التماسيح والتهمته في الحال . وحين انتهى من القائهم جميعاً ، حكي لجمهور النار عن المؤامرة الشريرة التي دبرها ابوه واخوته لقتله والاستيلاء علي مملكته ، وكيف انه كان سعيد الحظ لتمكنه من التغلب عليهم بالحيلة والدهاء، حين اوحي اليهم بفكرة انه كان في السماء وعاد منها .

واستمع الجميع الي القصة المدهشة في ذهول ، وانحازوا اليه جميعاً ، واعلنوا ان المتآمرين الاشرار يستحقون الموت .
ثم القى ادهى من ابيه بآخر تعليقاته الي والده قبل ان يلاقي محنته القاسية” ابي ! لماذا حاولت قتلي لإعلاني اني ادهى منك ؟ ان كل اب يتمنى ان يكون ابنه افضل منه ، وان يبلغ الذري التي لم يستطع هو بلوغها . ولكنك بدلاً من ذلك كنت تريد افضل الاشياء لنفسك . هل سمعت ابداً ان احدا يذهب الي السماء ثم يعود منها؟ انك قلت بأنني اخطأت بادعائي انني ادهى منك ، لكنك كنت شديد الغباء حين صدقت هذه الرواية المستحيلة . ولقد كنت سعيد الحظ حين خدعت احد التجار وجعلته يحل مكاني قبل اعدامي في منتصف الليل ، ولولا ذلك لكنت الآن في عداد القتلى . وكل ما قدمته لك كان بعضاً من سلع ذلك التاجر الشاب . وانت فاجاتني حين صدقت انني احضرتها لك من السماء . حسن يا ابي ووداعاً ، ولعل الاسلاف يباركون روحك ؟ وصرخ جبور الكبير قائلاً ” أواه يا بني ! ابق علي حياتي ارجوك ، واقسم اني لن ابغضك ابداً مرة اخرى . اواه يا بني ! اواه يا بني!
بيد ان ادهى من ابيه لم يعره التفاتاً ، والقى به الي النهر ، فمزقته التماسيح ارباً والتهمته في لمح البصر . ثم عاد مع شعبه منتصراً الي دياره ليضطلع بمهام مملكته مرة اخرى
---
الكاتب ويلتون سانكاوولو :
كان سياسيا ومؤلفا من ليبيريا. ولد بمقاطعة بونج بليبيريا عام 1937,حصل على درجة البكالوريوس فى التربية من كلية كاتنجتون بليبيريا,ثم واصل دراسته فى الولايات المتحده الامريكية ليحصل على درجه الماجستير فى اللاهوت من معهد لوثر الباسيفيكى اللاهوتى ,ثم على درجة أخرى فى الفنون الجميلة من جامعة أيوا